اهتزت الجبهة الشمالية مرة أخرى على وقع عملية نوعية، حين أكدت مصادر إسرائيلية رسمياً نجاحها في اغتيال الطبطبائي (هيثم الطبطبائي)، الذي وُصف بأنه رئيس أركان حزب الله والرجل الثاني فيه. هذا الاستهداف، الذي جرى يوم الأحد، رفع مستوى التأهب في الجيش الإسرائيلي بشكل غير مسبوق اليوم الإثنين، ووضع الحزب أمام خيارين أحلاهما مُرّ: إما الرد الموجع الذي قد يشعل حرباً إقليمية مفتوحة، أو الصمت الذي يعني استمرار مسلسل الاستنزاف لقادته. الترقب يسود المنطقة بأكملها، فماذا سيقرر الحزب في هذا الظرف الحرج؟
تل أبيب ترفع التأهب وتحصّن الجبهة
اعتبرت المصادر الإسرائيلية عملية اغتيال الطبطبائي من أكثر الضربات إيلاماً التي تعرض لها حزب الله خلال الأشهر الأخيرة. الجيش الإسرائيلي لم ينتظر، بل رفع مستوى التأهب على طول الحدود مع لبنان، وعزز سلاح الجو دفاعاته الجوية تحسباً لأي صواريخ قد تُطلق من الأراضي اللبنانية.
هذا التحرك السريع يأتي بعد تصريحات واضحة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي شدّد على أن “إسرائيل لن تسمح لحزب الله بإعادة بناء قوته أو تشكيل تهديد جديد” على حدودها الشمالية. هذه العبارات تبدو وكأنها ضوء أخضر لاستمرار سياسة “الاستهداف النوعي”، طالما استمر الحزب في التمسك بسلاحه خارج سلطة الدولة.
وفي شوارع بيروت الهادئة نسبياً والتي تعيش أصلاً تحت وطأة الأزمات الاقتصادية، كان الناس عم يترقبوا، بحسب ما لاحظه مراسلنا. الخوف من اندلاع مواجهة هو الشعور السائد بين اللبنانيين والسوريين المقيمين هناك، فالذاكرة لا تزال تحتفظ بخسائر الحروب السابقة.
مأزق الرد: استنزاف داخلي وضغط خارجي
يجد حزب الله نفسه الآن في “مأزق حقيقي”، كما وصفه علي الأمين، رئيس تحرير موقع جنوبية، في تصريح خاص لـ”سوريانت”. الأمين يرى أن التحدي أصبح وجودياً:
“حزب الله، إن ردّ، يدرك جيداً تداعيات الرد التي ستكون كارثية على المستوى اللبناني؛ وإن لم يردّ، فإن مسلسل الاغتيالات والاستهدافات سيستمر ولن يتوقف”.
ويشير الأمين إلى أن الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة تضعف موقف الحزب، خصوصاً لجهة رفضه السير في مسألة حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية. هو يرى أن تل أبيب تعمل على تضخيم قدرات الحزب “لاستدراج رد ما”، معتبراً أن نتنياهو “يريد التقاط أي فرصة للذهاب إلى خطوة عسكرية نوعية” لتعويض إخفاقاته الداخلية. الخيار هو التجنب، لكن هذا التجنب يجعل لبنان في وضع “دولة عاجزة عن الالتزام بأي اتفاق”.
في المقابل، يرى الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور علي شكر، أن المشهد لم يشهد “أي تغييرات دراماتيكية”، رغم أن عملية اغتيال الطبطبائي كانت “عالية المستوى بالنسبة للحزب”. ويؤكد شكر أن الحزب لا يزال ملتزماً بما أقرته الدولة اللبنانية، لكنه يعمل على “ترميم إمكاناته”، وهذا لا يُعد تناقضاً كونه “حركة مقاومة في ظل استمرار الاحتلال والعدوان”.
“الرد مرتبط بمجمل الاعتداءات الإسرائيلية منذ بدء وقف إطلاق النار، وليس فقط باغتيال الطبطبائي، والقرارات النهائية بيد قيادة الحزب”.
يضيف شكر أن الحزب ينتظر تطورات داخلية وإقليمية، مثل زيارة مرتقبة للبابا إلى لبنان، ومسارات محتملة على صعيد حل الدولتين أو التفاوض حول الملف النووي الإيراني.
خيارات المواجهة.. وإشارات الألف ومئتي هدف
وفقاً لتقييمات الجيش الإسرائيلي التي حصلنا على بعض تفاصيلها عبر مصادر مأذونة، فإن سيناريوهات ردّ الحزب قد تكون متعددة، وتشمل:
- إطلاق صواريخ دقيقة على عمق إسرائيل.
- محاولة تسلل نحو مواقع عسكرية جنوباً.
- إشراك حلفاء إقليميين، كالحوثيين، في عمل عسكري على خلفية علاقة الطبطبائي بهم.
لكن التقييمات لا تستبعد خيار “عدم الرد” أيضاً، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول ضغوط إقليمية تمارس على الحزب. خاصة وأن إسرائيل تتحدث دائماً عن “ألف ومئتي هدف عسكري” جاهزة للاستهداف، وهو رقم محدد يشير لخطورة أي رد فعل.
وفي تحليل العلاقة بين طهران والحزب، شدد الدكتور شكر على أن التجربة تكشف أن الحروب في فلسطين ولبنان وإيران كانت “منفصلة”، وأن طهران لم تتدخل عسكرياً حين تعرض حلفاؤها لهجمات سابقة.
من جهة أخرى، حذّر الأمين من أن لبنان قد يكون “هدية على طاولة المفاوضات الأميركية–الإيرانية”. ويتساءل: “ما معنى أن يُقتل هذا العدد من قيادات الحزب دون رد؟ وهل هناك صفقة ما يجري التحضير لها بين الأطراف الكبرى؟”.
مصير الجبهة الشمالية معلق بقرار واحد
في ظل التأهب الإسرائيلي الكامل، والتساؤلات الداخلية اللبنانية، والضغوط الإقليمية الكبيرة، يبدو حزب الله محاصراً بين خيار ردّ قد يشعل مواجهة واسعة يصعب احتواؤها، وخيار صمت قد يفتح الباب أمام مزيد من الاستهدافات المؤلمة.
يبقى اغتيال الطبطبائي هو نقطة التحول الأخيرة في مسار التهدئة الهش. وبين احتمالية الانجرار لحرب واسعة أو تكلفة الصمت، يظل مصير الجبهة الشمالية معلقاً بقرار سياسي واحد من قيادة حزب الله، قرار سيحدد شكل المرحلة المقبلة من الصراع الإقليمي.

أسئلة شائعة حول اغتيال الطبطبائي
من هو الطبطبائي وما أهمية اغتياله؟
هيثم الطبطبائي هو رئيس أركان حزب الله والرجل الثاني في الهيكل التنظيمي العسكري للحزب. يعتبر اغتياله من قبل إسرائيل ضربة نوعية ومؤلمة تستهدف مركز قيادة العمليات.
ما هي الخيارات المتاحة أمام حزب الله للرد على اغتيال الطبطبائي؟
خيارات الحزب تتراوح بين الرد العسكري المباشر والموجع (صواريخ على العمق الإسرائيلي أو تسلل) أو خيار “عدم الرد” الذي يهدف لتجنب حرب شاملة محتملة.
ما هو موقف إيران من عملية الرد المحتملة؟
يرى المحللون أن تجربة الحروب السابقة تشير إلى أن طهران لم تتدخل عسكرياً بشكل مباشر، لكن الحزب قد يكون مضطراً للتنسيق معها كونها الداعم الرئيسي لعملياته.
