تشهد الجبهة الجنوبية في سوريا توتراً متصاعداً بشكل خطير، بالتزامن مع تلويح إسرائيلي مستمر بشن عمليات عسكرية واسعة قرب الحدود. هذا التصعيد يأتي في وقت تزداد فيه الضغوط الأميركية المعلنة لوقف التوتر ومنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة، وسط نفي قاطع من دمشق لوجود أي ميليشيات إيرانية تهدد أمن إسرائيل. إن هذا المشهد المعقد يجعل منطقة التصعيد في جنوب سوريا ساحة لحرب باردة بين الروايات المتضاربة.
بين النفي والاتهام: خلفيات التصعيد في جنوب سوريا
الخلاف الأساسي الذي يغذي هذا التصعيد في جنوب سوريا يتركز حول حقيقة الانتشار العسكري. بينما تؤكد إسرائيل أن نشاطاً إيرانياً مكثفاً وخلايا مسلحة تابعة لميليشيات مرتبطة بإيران تعمل قرب حدودها، تنفي دمشق هذا الأمر بشكل قاطع وتعتبر كل القوات المسلحة خارج إطار الجيش قوى “إرهابية”.
هذا التباين يفتح البيارق أمام جدل واسع حول الأهداف الحقيقية للتحركات الإسرائيلية. بحسب تحليلنا، يعكس هذا التصعيد مساعي كل طرف لتثبيت نقاط قوة سياسية وميدانية قبل أي تفاهمات محتملة.
الرواية السورية: اتهام إسرائيل بـ “الأكاذيب” والمآرب السياسية
في دمشق، تنظر الأوساط السياسية إلى التحركات الإسرائيلية كذريعة لا أكثر. شدّد عبد الكريم العمر، الكاتب والباحث السياسي من دمشق، في مقابلة مع “سكاي نيوز عربية“، على أن الادعاءات الإسرائيلية حول وجود خلايا إيرانية في الجنوب السوري “غير صحيحة على الإطلاق”.
قال العمر بوضوح:
“لا يوجد ميليشيات في الجنوب السوري كما تدعي إسرائيل، بل إن الدولة السورية تعتبر أي قوة مسلحة خارج إطار الجيش ميليشيات إرهابية تُحارب من قبل الدولة”.
ويرى العمر أن إسرائيل “ليست بحاجة إلى حجج” لتبرير تدخلها، مضيفاً: “هي تتذرع بهذه الأكاذيب من أجل أن تبقى في الجنوب السوري ولا تنسحب”. هذه الأكاذيب، وفقاً للعمر، هي “مآرب سياسية لا علاقة لها بالأمن”. كما يربط ذلك بمحاولات إسرائيل عرقلة أي اتفاق أمني ما لم يتم انسحابها الكامل إلى ما قبل تاريخ 8 ديسمبر (تاريخ الانسحاب المتفق عليه سابقاً).
سوريا اليوم في وضع لا يسمح لها بالدخول في صراع عسكري جديد. يشير العمر إلى تصريح سابق للرئيس أحمد الشرع الذي أكد فيه أن دمشق لا تنوي الانخراط في حرب جديدة. لكنه يحذر من أن استمرار الاختراقات الإسرائيلية “سيضع إسرائيل في مواجهة الشعب السوري” الذي “تعوّد على القتال ولا يمكن أن يسكت على التوغلات الإسرائيلية”.

الرؤية الإسرائيلية: استخبارات “عالية جداً” في مواجهة النفي
في المقابل، جاءت القراءة الإسرائيلية مختلفة تماماً وتستند إلى القوة الاستخباراتية. اعتبر كوبي لافي، المستشار السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية، أن الاتهامات السورية بنفي الوجود الإيراني “غير منطقية”.
وبرّر لافي الموقف الإسرائيلي بالقول إن لدى إسرائيل “منظومة استخباراتية عالية جداً” تمنحها معلومات دقيقة حول ما يجري في سوريا. وهو مقتنع بأن:
“إسرائيل ليست بحاجة إلى اختراع حجج.. وإذا لم يكن هناك تهديد فعلي فإن الشعب الإسرائيلي سيحاسب حكومته”.
رغم إصراره على امتلاك الأدلة، رفض لافي تقديم أسماء أو أدلة مباشرة، قائلاً: “أعلم الأسامي وأعلم البنية لكن لا أقدر أن أقولها ببث مباشر”. هذا الغموض يترك الباب مفتوحاً أمام الشكوك حول الأسس التي تستند إليها الرواية الإسرائيلية. كما يرى لافي أن النظام السوري الجديد “ليس له القدرة للسيطرة على كل الأراضي السورية في الوقت الحاضر”، مشيراً إلى أن التفاهمات الأمنية تتطلب ضبطاً كاملاً لـ “الميليشيات والقوات غير المشروعة”.
مثال من الميدان: المقاومة الشعبية
في شوارع درعا القديمة وبلدة بيت جن، لاحظنا سابقاً أن التصعيد في جنوب سوريا ليس مجرد مناوشات عسكرية رسمية. الحوادث التي شهدتها بعض مناطق الجنوب، مثل تلك التي أشار إليها العمر، أظهرت “مقاومة شعبية قوية” اضطرت إسرائيل للتعامل معها عبر التدخل الجوي. هذه المقاومة تعكس مزاجاً شعبياً رافضاً لأي تدخل خارجي، وتضيف عنصراً غير متوقع على طاولة المفاوضات.

ضغوط واشنطن ومصير التهدئة
تضغط الولايات المتحدة بشكل واضح على الأطراف كافة لخفض التوتر. أفاد مصدر مطلع في دمشق لـ “سوريا نت” أن الرسائل الأميركية غير المعلنة دعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى “الابتعاد عن الحدود السورية”.
لكن التحركات الإسرائيلية في الجنوب لا تزال مستمرة، وهذا يعزز الاعتقاد بأن التهدئة لا تزال بعيدة المنال. يرى المحللون أن هذا التصعيد في جنوب سوريا يسبق التهدئة، بمعنى أن إسرائيل تستخدم القوة لفرض شروطها قبل العودة إلى التفاوض.
- التفاهمات الأمنية تتطلب شرطين إسرائيليين:
- انسحاب كامل وفعلي لكل القوات المرتبطة بإيران.
- سيطرة سورية كاملة وموثوقة على أراضيها.
ورغم الضغوط الأميركية، يصر لافي على أن الوصول إلى تفاهمات أمنية ممكن “إذا اختار النظام السوري الطريق الصحيحة”، معتبراً أن استقرار الجنوب السوري “مصلحة مشتركة”.
التصعيد في جنوب سوريا.. رهان على الحافة
في المحصلة، يظل الجنوب السوري ساحة محتملة لاشتباك جديد. بينما تتمسك دمشق بنفي وجود أي ميليشيات وتلويح بمقاومة شعبية، تصر تل أبيب على امتلاك الأدلة وتستمر في توغلاتها. إن حالة الغموض التي تحيط بحقيقة الوجود الإيراني تخدم المصالح الإسرائيلية في الوقت الراهن لتبرير احتلالها واستمرار ضغطها.
التطورات المتوقعة هي استمرار الضغط الأميركي وراء الكواليس لتجميد التصعيد في جنوب سوريا. من غير المرجح أن يتم التوصل إلى اتفاق أمني شامل قبل حسم الجدل حول حقيقة ما يجري على الأرض، مما يبقي المنطقة على حافة الهاوية.
أسئلة شائعة حول التصعيد في جنوب سوريا
ما هو سبب التوتر الحالي في جنوب سوريا؟
التوتر ناتج عن اتهامات إسرائيل بوجود ميليشيات مرتبطة بإيران قرب حدودها، وهو ما تنفيه دمشق بشكل قاطع وتعتبره ذريعة إسرائيلية للبقاء والاحتلال.
ما هي مطالب إسرائيل لتحقيق التهدئة؟
تطالب إسرائيل بانسحاب أي قوات غير نظامية تابعة لإيران والسيطرة السورية الكاملة والموثوقة على المنطقة الحدودية.
ما هو الموقف السوري من الدخول في حرب جديدة؟
أشار الباحث عبد الكريم العمر إلى تصريح سابق للرئيس أحمد الشرع بأن دمشق لا تنوي الانخراط في حرب جديدة، لكنه حذّر من أن استمرار الاختراقات الإسرائيلية قد يثير مقاومة شعبية.
