في تصعيد عسكري خطير يهدد الاستقرار الإقليمي الهش، نددت الجمهورية العربية السورية الجمعة بالتوغل العسكري الإسرائيلي داخل أراضيها في بلدة بيت جن بريف دمشق الجنوبي، واصفة الحادث بـ”جريمة حرب مكتملة الأركان” عقب سقوط 13 قتيلاً مدنياً. هذا العدوان الإسرائيلي على بيت جن بدأ بتوغل بري لدورية واعتقالات، ليتطور إلى قصف جوي ومدفعي كثيف أدى لمقتل مدنيين ونزوح عدد كبير من السكان المحليين، مما يؤكد أن الجبهة الجنوبية لدمشق ما زالت على صفيح ساخن، وتغير من قواعد الاشتباك المعتادة.
كيف تحول التوغل إلى قصف دموي؟
تفيد المصادر المحلية في ريف دمشق بأن العملية بدأت في الساعات الأولى من صباح الجمعة. دورية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، قيل إنها من لواء المظليين الاحتياطي، توغلت داخل بلدة بيت جن التي تقع على سفوح جبل الشيخ (جبل حرمون)، جنوب غربي دمشق. كان الهدف المعلن، بحسب بيان الجيش الإسرائيلي، هو تنفيذ عملية اعتقال لعناصر تابعة لـ”تنظيم الجماعة الإسلامية”.
بدأت الاشتباكات بعد أن حاولت الدورية الإسرائيلية اعتقال ثلاثة شبان من داخل البلدة. هنا، حدث رد فعل من الأهالي ومن بعض المسلحين، مما أدى لتعرض الجنود الإسرائيليين لإطلاق نار، نجم عنه إصابة 6 جنود إسرائيليين. وبعد فشل عملية التوغل والانسحاب من البلدة نحو تلة “باط الوردة” على الأطراف، ردت القوات الإسرائيلية بوابل من القصف.
التلفزيون السوري أوضح أن مروحيات تابعة للجيش الإسرائيلي ومدفعيته هي من قامت باستهداف البلدة. حصيلة القصف كانت ثقيلة وموجعة؛ فبحسب آخر تحديثات من محافظة ريف دمشق، سقط 13 قتيلاً مدنياً وأُصيب أكثر من 25 شخصاً، بينهم 4 في حالة حرجة.

الإدانة الرسمية.. “تهديد للأمن الإقليمي”
أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً شديد اللهجة أدانت فيه الاعتداء. البيان أكد أن هذا التوغل والاعتداء السافر على الأهالي وممتلكاتهم يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية.
“تدين الجمهورية العربية السورية بأشد العبارات الاعتداء الإجرامي الذي قامت به دورية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي… وتعتبر أن الهجوم يشكل جريمة حرب مكتملة الأركان”.
وحملت دمشق تل أبيب “المسؤولية الكاملة” عن كل الضحايا المدنيين والدمار الذي لحق بالبلدة، مشيرة إلى أن هذه الاعتداءات “تشكل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليمي”.
للوقوف على الأثر المحلي للحادث، تحدث مراسلنا مع أمجد العبد الله، ناشط حقوقي ومتابع للشأن المحلي في ريف دمشق. يصف العبد الله الحالة بقوله:
“صار الوضع بالريف الجنوبي متل لعبة القط والفار. بيجوا بيعتقلوا وبيضربوا وبيفلوا، بس هالمرة كانت الضربات أقسى على المدنيين. الناس ببيت جن خافت على ولادها. سمعوا أصوات المدافع والمروحيات طول الليل”.
هذا القصف تسبب في موجة نزوح جديدة ومحدودة من بيت جن إلى القرى المجاورة، هروباً من تصاعد العنف المفاجئ في المنطقة.
العدوان الإسرائيلي على بيت جن: تثبيت لمعادلات جديدة
المبرر الذي ساقه الجيش الإسرائيلي للعملية هو “استنادا إلى معلومات استخبارية جمعت خلال الأسابيع الأخيرة تشير إلى نشاطهم في قرية بيت جن السورية وسعيهم لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل”.
لكن هذا التفسير لا يروق لخبراء العلاقات الدولية. يرى الدكتور فارس الزعبي، خبير في العلاقات الدولية من دمشق، أن الهدف أبعد من مجرد اعتقال أفراد:
“إسرائيل تستغل التغيرات الأخيرة في دمشق لتثبيت معادلة جديدة في الجنوب. هذه العمليات البرية المتكررة، التي تشمل التوغل والاعتقال، تهدف إلى فرض منطقة نفوذ فعلية دون اعتراف دولي، وتأتي بعد سقوط النظام وتغير موازين القوى”.
الدكتور الزعبي يوضح أن العدوان الإسرائيلي على بيت جن يندرج ضمن سياسة تل أبيب التي بدأت تظهر بوضوح منذ سقوط نظام بشار الأسد، حيث استغلت إسرائيل الفراغ الأمني لتسيطر على المنطقة العازلة على الحدود مع الجولان المحتل، ثم توسعت في تنفيذ مداهمات وعمليات اعتقال في المناطق الحدودية بريف دمشق والقنيطرة ودرعا.
وتشير تقديرات إسرائيلية سابقة، بحسب وثيقة استخبارية حصلنا عليها، إلى أن المنطقة الحدودية لبيت جن أصبحت نقطة تجمع لخلايا غير منظمة تسعى للعبور وتنفيذ عمليات تسلل، مما دفع الجيش الإسرائيلي لتغيير تكتيكه من القصف الجوي الانتقائي إلى العمليات البرية المباشرة.

أمن الجنوب على المحك
تؤكد حادثة بيت جن أن الجنوب السوري، وتحديداً ريف دمشق والقنيطرة، يواجه تهديدات أمنية وعسكرية متزايدة من الجانب الإسرائيلي. هذا العدوان الإسرائيلي على بيت جن أسفر عن مقتل مدنيين، ويشير إلى أن إسرائيل مستعدة للمخاطرة بوقوع اشتباكات مباشرة مع أهالي المنطقة لتنفيذ عملياتها.
في ظل الغياب الواضح للرد السوري الرادع على الأرض، والتركيز على التنديد السياسي، فإن التطورات المتوقعة هي استمرار هذه العمليات الإسرائيلية المتكررة، مما سيجعل المنطقة الحدودية بأكملها تحت رحمة التوغل والقصف. يبقى السؤال: متى سيتحرك المجتمع الدولي لوقف ما تصفه دمشق بـ”جريمة حرب” قبل أن تتدهور الأوضاع بشكل لا يمكن السيطرة عليه؟
أسئلة شائعة حول العدوان الإسرائيلي على بيت جن
ما هو العدد النهائي لضحايا العدوان الإسرائيلي على بيت جن؟
الحصيلة الرسمية الجديدة تشير إلى مقتل 13 شخصاً وإصابة أكثر من 25 جريحاً، أغلبهم من المدنيين، نتيجة للقصف الإسرائيلي الذي استهدف البلدة.
ما هو المبرر الذي قدمه الجيش الإسرائيلي للتوغل في بيت جن؟
أعلن الجيش الإسرائيلي أن العملية كانت تستهدف اعتقال عناصر من “تنظيم الجماعة الإسلامية” كانوا يسعون لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل، وذلك بناءً على معلومات استخبارية.
ما هو السياق التاريخي لهذه العمليات في جنوب سوريا؟
تشن إسرائيل عمليات توغل بري ومداهمات في أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا بشكل متزايد منذ سقوط النظام، بهدف السيطرة على المنطقة العازلة وتنفيذ اعتقالات في المناطق الحدودية.
