في تصعيد دموي يغير قواعد اللعبة على الحدود، نفذت إسرائيل فجر الجمعة عملية عسكرية مباغتة في بلدة بيت جن بريف دمشق الجنوبي، أسفرت عن سقوط 13 قتيلاً مدنياً و24 جريحاً، جراء قصف استهدف منزلاً للمدنيين. هذا العدوان الإسرائيلي على بيت جن جاء بعد توغل بري انتهى باشتباكات عنيفة وإصابة ستة جنود إسرائيليين، وهو ما دفع تل أبيب فوراً لإعادة تقييم استراتيجيتها الميدانية في المنطقة العازلة والجنوب السوري بأكمله.
حصيلة صادمة: تفاصيل مقتل المدنيين وقصف المنزل
اندلعت المواجهات في بيت جن، الواقعة بالقرب من المنطقة العازلة بمحاذاة هضبة الجولان المحتلة، بعدما دخلت قوات إسرائيلية البلدة في وقت مبكر من صباح الجمعة في مهمة اعتقال. الاشتباكات المباشرة التي تخللتها إطلاق نار متبادل أدت لإصابة ستة جنود إسرائيليين، ثلاثة منهم بجروح خطيرة، وفق ما أوردته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”. لكن الثمن الأكبر كان على الأهالي.
أفادت وكالة الأنباء السورية (سانا) مساء الجمعة أن العملية العسكرية الإسرائيلية أسفرت عن سقوط 13 قتيلاً مدنياً. هذا الرقم أكده مدير صحة ريف دمشق، الدكتور توفيق إسماعيل، الذي صرح لـ”سانا” بارتفاع عدد “الشهداء جراء هذا الاعتداء إلى 13 في حصيلة أولية، بينما هناك عشرات المصابين”. هذه الحصيلة المروعة نجمت عن قصف إسرائيلي مباشر استهدف منزلاً لمدنيين، ما يؤكد أن الاستهداف لم يقتصر على الأهداف العسكرية المزعومة.
كيف وصل الضحايا؟
- تم نقل 6 من المصابين إلى مشفى المواساة بدمشق.
- تم توزيع 24 مصاباً على مشافي دمشق (المواساة والمجتهد) وقطنا بريف دمشق، والجولان الوطني بالقنيطرة.
- أكد الدكتور إسماعيل أن بعض المصابين في حالة حرجة ويحتاجون لإجراء عمليات جراحية عاجلة.
- جرى دفن 6 من الشهداء في مزرعة بيت جن بسبب صعوبة الوصول إليهم في الساعات الأولى من العدوان الإسرائيلي على بيت جن.
في شوارع دمشق المزدحمة، كانت أصداء هذا الخبر هي المسيطرة، حيث نقل الأهالي حالة من القلق والغيظ من تصاعد العنف غير المسبوق في المنطقة الحدودية.

تغيير تكتيكي: هل تتخلى إسرائيل عن الاعتقالات الميدانية؟
الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في أعقاب الاشتباكات هو ما كشفت عنه القناة الثالثة عشر الإسرائيلية. ذكرت القناة أن الجيش الإسرائيلي يدرس بشكل جدي تغيير استراتيجيته في الجنوب السوري. وبحسب القناة، يتمثل هذا التغيير في:
- تقليل الاعتقالات الميدانية المباشرة التي تنفذها القوات البرية.
- زيادة الاعتماد على الضربات الجوية لتنفيذ الأهداف الأمنية.
هذا التحول يأتي مباشرة “حفاظاً على سلامة جنوده” بعد تعرضهم لإطلاق نار مكثف في بيت جن. ويشير مراسلنا إلى أن إسرائيل تدفع ثمن التوغل الميداني بدم جنودها، مما يجعل العمليات الجوية الخيار الأكثر أماناً لها، حتى لو كانت أكثر تدميراً للمدنيين.
يُحلل الدكتور خالد السمان، خبير الشؤون العسكرية والإقليمية، هذا القرار بالقول:
“ما حدث في بيت جن يمثل ضربة معنوية لإسرائيل. الإصابات الستة هي رقم كبير بالنسبة لعملية محدودة. لذا، ستبتعد إسرائيل عن الاحتكاك المباشر مع الأهالي والمسلحين، وتتحول لسياسة القصف من الجو، وهذه الاستراتيجية ستكون أقل كلفة عليها وأكثر تدميراً للبنية التحتية، للأسف”.
ويضيف الدكتور السمان: “في رأيي، هذا التغير يزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية دون أن يحل المشكلة الأمنية الإسرائيلية بشكل جذري”.
سياق التصعيد: ربط مباشر بفشل المفاوضات
التحليلات في المنطقة تربط بشكل وثيق بين هذا التصعيد الأخير والوضع السياسي. يرى محللون أن الضربات الإسرائيلية المتصاعدة تعد وسيلة ضغط على سوريا للقبول بالشروط الإسرائيلية للسلام التي تم طرحها مؤخراً.
لقد أكدت التحليلات الإسرائيلية نفسها أن هذا التصعيد يرتبط بفشل جولة المفاوضات الأخيرة مع دمشق، حيث حاولت إسرائيل تمرير “معادلة غير مسبوقة”. هذه المعادلة، وفق وثيقة حصلت عليها “سوريانت” من مصدر مطلع في دمشق، تضمنت مطالب بانسحاب كامل للقوات الإيرانية وحزب الله من الجنوب السوري مقابل تخفيف القصف والتوغلات، وهو ما رفضته دمشق شكلاً ومضموناً.
هذا التطور يأتي بعد عام من إسقاط النظام وبدء مرحلة جديدة من الحكم في سوريا. إسرائيل استغلت الفراغ الأمني وعدم استقرار الأوضاع لتعزيز نفوذها العسكري والاستخباراتي في المنطقة العازلة وعلى أطراف هضبة الجولان.
قصة شخصية: فداء التي فقدت طفلها
في بيت جن، عاشت فداء (45 عاماً)، وهي أم لثلاثة أطفال، ليلة مرعبة. قُصف منزل قريب من منزلها، وهرعت فداء لنجدة الجيران تحت أصوات القصف المدفعي.
“ما لحقت أفتح الباب حتى صار صوت هدّ عظيم. طفلي الصغير، عمره سبع سنين، بكى من الخوف، صار يقول: ماما بدنا نموت؟”
هذه القصة الصغيرة تعكس حجم الرعب الذي يعيشه المدنيون في القرى الحدودية، الذين يدفعون ثمن الاشتباكات السياسية والعسكرية. لاحظ مراسلنا أن النزوح الجزئي بدأ فوراً من بيت جن خوفاً من تجدد العنف.
مأزق الجنوب السوري بين الضغط العسكري وتغيير الاستراتيجية
إن العدوان الإسرائيلي على بيت جن وما تبعه من مقتل 13 مدنياً، يمثل تحولاً خطيراً في نوعية العمليات الإسرائيلية، من التوغل السريع إلى استخدام القوة التدميرية العالية. دراسة الجيش الإسرائيلي لتقليل الاعتقالات الميدانية مقابل تكثيف الضربات الجوية تعني أن المدنيين في القرى الحدودية سيكونون تحت تهديد مستمر من الجو.
التطورات المتوقعة هي استمرار الضغط الإسرائيلي عسكرياً وسياسياً على دمشق، وربط أي تهدئة بالقبول بالشروط الإسرائيلية بشأن الجنوب. هذا المأزق سيزيد من معاناة أهالي المنطقة، ويتطلب تحركاً دولياً وإقليمياً عاجلاً للجم هذا التصعيد الذي بدأ يأخذ منحى المجازر المدنية.
الأسئلة شائعة حول العدوان الإسرائيلي على بيت جن
ما هي الحصيلة الرسمية لضحايا العدوان على بيت جن؟
أكد مدير صحة ريف دمشق ارتفاع عدد الشهداء المدنيين جراء القصف الإسرائيلي إلى 13 قتيلاً، بالإضافة إلى 24 جريحاً نقلوا إلى مشافي دمشق وريفها والقنيطرة.
ما هي الاستراتيجية العسكرية الجديدة التي تدرسها إسرائيل في الجنوب السوري؟
يدرس الجيش الإسرائيلي تغيير استراتيجيته عبر تقليل الاعتقالات الميدانية وزيادة الاعتماد على الضربات الجوية، وذلك حفاظاً على سلامة جنوده بعد الاشتباكات التي وقعت في قرية بيت جن.
ما علاقة هذا التصعيد بالمفاوضات السياسية؟
يربط المحللون هذا التصعيد بفشل جولة المفاوضات الأخيرة بين إسرائيل ودمشق، حيث تعتبر الضربات وسيلة ضغط على سوريا للقبول بالشروط الإسرائيلية للسلام.
