قرر بنك سويسرا المركزي اليوم، الخميس، الإبقاء على سعر الفائدة الصفرية في سويسرا الأساسي عند 0%، وهو أدنى مستوى بين البنوك المركزية الكبرى، وذلك للمرة الثانية على التوالي في اجتماعه الأخير. يأتي هذا القرار على خلفية مؤشرات واضحة على ضعف في الاقتصاد السويسري وتراجع التضخم إلى عتبة الصفر. هذا التثبيت يشير إلى أن المركزي السويسري يراهن على أن اتفاق خفض الرسوم الأميركية على السلع سيقدم جرعة دعم محدودة تحتاجها آفاق الاقتصاد.
لماذا ثبت المركزي السويسري سعر الفائدة عند 0%؟
جاء قرار التثبيت، كما توقعه اقتصاديون استطلعت “رويترز” آراءهم، ليعكس حالة التباطؤ التي يمر بها اقتصاد “ساعة الدقة”. فقد انكمش الاقتصاد السويسري فعلاً في الربع الثالث من العام بنسبة 0.5 بالمئة، وهي أول مرة ينكمش فيها منذ عامين.
المشكلة الأكبر التي يواجهونها هي التضخم. تراجع التضخم في شهر نوفمبر الماضي ليصل إلى 0 بالمئة، أي عند الحد الأدنى من نطاق استهداف الأسعار لدى المركزي السويسري البالغ (0–2 بالمئة). هذا التضخم المنخفض جداً يمثل تحدياً كبيراً للبنك، فبدلاً من محاربة الأسعار المرتفعة كما تفعل البنوك الأخرى، يصارع المركزي السويسري شبح الانكماش.
في بيانه، أشار البنك إلى أن قراءات التضخم الأخيرة جاءت “أدنى قليلاً من المتوقع”، لكنه أكد أن ضغوط الأسعار على المدى المتوسط لم تتغير بصورة جوهرية قياساً بالتقييم السابق للسياسة النقدية.

قوة الفرنك وتأثير الرسوم الأميركية
هذا القرار بشأن الفائدة الصفرية في سويسرا يتشابك بعمق مع التطورات التجارية الكبرى. يأتي تثبيت الفائدة عقب يوم واحد من خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لسعر الفائدة، وقبل ذلك، إبرام اتفاق سويسري–أميركي في نوفمبر الماضي.
هذا الاتفاق قضى بتقليص الرسوم الإضافية على السلع السويسرية من نسبة عالية جداً بلغت 39 بالمئة إلى 15 بالمئة فقط. ويرى المركزي السويسري أن هذا التطور، مع تحسن محدود في البيئة العالمية، أسهم في تحسن طفيف لآفاق الاقتصاد السويسري.
تحدث فادي منصور، خبير اقتصادي ومستشار مالي مقيم في زيوريخ، لـ”سوريا نت”:
“إن تخفيف الرسوم الأميركية ليس ‘مرق’ سحري، ولكنه متنفس حقيقي لقطاعاتنا التصديرية. هذا هو بالضبط ما يحتاجه المركزي السويسري ليحافظ على الفائدة الصفرية في سويسرا، لأنه يخفف الضغط عن الصادرات المتضررة”.
في الفترة الماضية، ضغطت الرسوم المرتفعة بشدة على النمو. وفي الوقت نفسه، زادت قوة الفرنك السويسري بفعل التدفقات الباحثة عن الملاذ الآمن خلال اضطرابات التجارة. هذا الفرنك القوي بدوره خفّض مستويات التضخم عبر تقليص كلفة الواردات، مما خلق وضعاً اقتصادياً معقداً.
قطاعات حيوية تتنفس الصعداء
الفرصة الجديدة التي يوفرها خفض الرسوم الأميركية ستكون لها انعكاسات إيجابية على قطاعات سويسرية رئيسية. هذه القطاعات تعتمد على السوق الأميركية بشكل كبير، وهي:
- الساعات الفاخرة: رمز الدقة السويسرية.
- الشوكولاتة: سلعة سويسرية محبوبة عالمياً.
- الآلات والمعدات الدقيقة: أساس الصناعة السويسرية.
وبحسب المحللين، فإن تقليص الرسوم من شأنه تقليل الأثر السلبي على هذه القطاعات، ما يساهم في دعم نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأرباع القادمة. كما أن القرار يساعد في تحسين المزاج الاقتصادي نسبياً مقارنة بالربع الثالث “اللي كان فيه شغل كتير متل الهم على القلب”، بحسب تعبير أحد المتداولين في السوق المالية بجنيف.
أشار عمران الزعيم، محلل أسواق مالية في دمشق، لـ”سوريا نت” أن:
“استمرار الفائدة الصفرية في سويسرا رغم الانكماش العالمي يشير إلى ثقة البنك في قوة عملته الفرنك. هم يراهنون على أن الأسواق ستبقى مستقرة نسبياً، وأن التدخلات الأخيرة كافية لتجنب انزلاق التضخم إلى المنطقة السلبية فعلاً”.
التوقعات المستقبلية ومسار التضخم
على الرغم من الإبقاء على الفائدة عند الصفر، قام المصرف الوطني السويسري بتعديل توقعاته للتضخم في الأرباع القادمة بشكل طفيف نزولاً. لكنه لا يزال يرجح ارتفاعاً تدريجياً.
الخطة تتلخص في أن يصل التضخم إلى نحو 0.7 بالمئة بحلول نهاية عام 2027. هذا المسار التضخمي يظل ضمن نطاق استقرار الأسعار المستهدف من قبل البنك، مما يعني أن فترة طويلة من الفائدة الصفرية في سويسرا قد تكون ضرورية.
هذه الخطوة تؤكد أن البنك المركزي يتعامل مع الاقتصاد بحذر شديد، معتمداً على البيانات الدقيقة ومراقبة أي بوادر لتحسن في البيئة العالمية. إنهم لا يريدون المخاطرة برفع الفائدة في ظل هذا التضخم الضعيف، حتى لا يزيدوا الطين بلة.
الرهان على الاستقرار
أكد بنك سويسرا المركزي اليوم بقاءه على سياسة الفائدة الصفرية في سويسرا، متمسكاً بهذا السلاح النقدي الفريد لدعم اقتصاد مثقل بتباطؤ النمو وتضخم ضعيف جداً. الرهان الكبير يقع الآن على اتفاق خفض الرسوم الأميركية وقدرته على إنعاش صادرات الساعات والشوكولاتة والآلات.
التطورات المتوقعة هي أن يراقب البنك عن كثب البيانات الاقتصادية للربع الرابع، خصوصاً تأثير خفض الرسوم على أداء الشركات المصدرة. من غير المحتمل أن يشهد سعر الفائدة أي تغيير قبل منتصف العام المقبل، ما لم تحدث صدمة اقتصادية كبرى إيجابية أو سلبية في الأسواق العالمية. الاستقرار هو كلمة السر في “سويسرا الدقيقة”.
أسئلة شائعة حول سعر الفائدة في سويسرا
ما هو سعر الفائدة الأساسي الحالي في سويسرا؟
سعر الفائدة الأساسي هو 0%، وهو الأدنى بين البنوك المركزية الكبرى، وتم تثبيته للمرة الثانية على التوالي.
ما سبب ضعف الاقتصاد السويسري مؤخراً؟
انكمش الاقتصاد السويسري في الربع الثالث بنسبة 0.5%، بسبب عوامل من بينها الرسوم الأميركية المرتفعة سابقاً وقوة الفرنك السويسري الذي قلص كلفة الواردات وأبقى التضخم منخفضاً.
كيف ساعد خفض الرسوم الأميركية سويسرا؟
ساهم خفض الرسوم الأميركية على السلع السويسرية من 39% إلى 15% في تحسن طفيف لآفاق الاقتصاد، وخفف الضغط على قطاعات التصدير الرئيسية مثل الساعات والشوكولاتة.
