لم تنم حمص ليلتها البارحة، فالهدوء الذي ساد المدينة لسنوات كسره الرصاص والدخان. استيقظ الأهالي اليوم، الإثنين، على إجراءات أمنية مشددة وقرار بتمديد حظر التجوال في عدة أحياء، في محاولة حكومية لاحتواء الغضب المتفجر عقب جريمة زيدل المروعة. الجريمة التي راح ضحيتها رجل وزوجته يوم الأحد، لم تكن مجرد حادث جنائي عابر، بل تحولت شرارتها إلى أعمال شغب أعادت للأذهان ذكريات سنوات الحرب القاسية، وسط مخاوف حقيقية من انزلاق الوضع نحو فتنة طائفية لا تحمد عقباها.
ليلة عصيبة في شوارع حمص
بدأت القصة من بلدة زيدل جنوب المحافظة، حين عُثر على جثتي رجل وزوجته من “عشيرة بني خالد” داخل منزلهما. المشهد كان قاسياً؛ جثة الزوجة تعرضت للحرق، وجدران المنزل لُطخت بعبارات ذات نفس طائفي، بحسب ما وثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان.
هذا الخبر نزل كالصاعقة على أبناء العشيرة، وسرعان ما تحول الغضب إلى رد فعل عنيف في الشارع.
يقول سامر العلي، وهو ناشط مدني يسكن بالقرب من حي المهاجرين، واصفاً ما حدث لـ”سوريانت”: “شعرنا وكأننا عدنا بالزمن للوراء. فجأة، تحول الهدوء إلى فوضى. أصوات تكسير الزجاج وصراخ الناس ملأ الشوارع، ورائحة الإطارات المحترقة دخلت إلى بيوتنا ونحن نغلق الأبواب خوفاً على أطفالنا”.
ويضيف العلي بلهجته الحمصية: “العالم خافت، الكل سكر محلاته وركض عالبيت، المشهد كان بيفزع”.

أرقام الخسائر والتحرك الرسمي
لم يتأخر رد الفعل الرسمي كثيراً أمام حجم الفوضى. محافظة حمص أعلنت رسمياً تمديد حظر التجوال، وكشفت في بيان أولي حصلت “سوريا نت” على نسخة منه عن حجم الأضرار المادية التي خلفتها الهجمات الانتقامية التي طالت حيي “ضاحية الباسل” و”المهاجرين”.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، تضرر حوالي 40 منزلاً ومحلاً تجارياً، بالإضافة إلى تحطيم وحرق 29 سيارة كانت مركونة في الشوارع. السلطات أكدت الدفع بتعزيزات أمنية مكثفة، شملت وحدات من الجيش وقوات الأمن الداخلي (الشرطة)، لفصل الأحياء المتوترة عن بعضها ومنع وصول التجمعات الغاضبة إلى نقاط التماس.
وفي تصريح خاص، أشار مصدر مطلع في قيادة شرطة المحافظة (طلب عدم ذكر اسمه لحساسية موقفه) إلى أن: “التعليمات واضحة وصارمة؛ منع الاحتكاك المباشر بأي ثمن، والتحقيق في جريمة زيدل يجري على أعلى مستوى لكشف الجناة ووأد الفتنة قبل تمددها”.
سياق متوتر ومخاوف أهلية
تأتي هذه الأحداث في وقت يعاني فيه السوريون أصلاً من ضغوط اقتصادية هائلة، ليضاف إليها الهاجس الأمني. الهجوم الذي شنه مسلحون من عشيرة بني خالد تضمن إطلاق نار عشوائي، وهو ما تزامن مع خروج الطلاب من مدارسهم، ما خلق حالة من الهلع في صفوف الأهالي الذين سارعوا لسحب أبنائهم.
من جانبه، علق الشيخ محمد الخالدي، أحد وجهاء العشائر في المنطقة، في اتصال هاتفي معنا قائلاً: “الجريمة بشعة ولا يقرها شرع ولا دين، ونحن نطالب بالقصاص العادل من القتلة. لكننا في الوقت نفسه نرفض الانجرار وراء ردات الفعل التي تضر بالأبرياء وتخرب الممتلكات. ما حدث من تخريب لا يمثل صوت العقلاء، ونعمل مع الجهات المعنية لتهدئة النفوس”.
وأضاف الخالدي بنبرة حادة: “هناك من يحاول الاصطياد في الماء العكر واستغلال جريمة زيدل لإشعال المنطقة مجدداً، وعلينا أن نكون أوعى من ذلك”.

ماذا ينتظر حمص؟
حالياً، تبدو شوارع الأحياء المتوترة شبه خالية إلا من الدوريات الأمنية وآثار الحجارة والزجاج المتناثر. المحلات مغلقة، والترقب سيد الموقف. تمديد حظر التجوال يُقرأ على أنه إجراء احترازي لمنع تجدد الاشتباكات ليلاً، وهي الفترة التي عادة ما تشهد تصعيداً في مثل هذه الظروف.
الأهالي بانتظار نتائج التحقيق التي وعدت المحافظة بإعلانها “فور اكتمالها”. لكن الأهم من النتائج الجنائية بالنسبة للشارع الحمصي اليوم، هو طي صفحة هذا التوتر وعودة الأمان، فالمدينة التي دفعت ثمناً باهظاً في السنوات الماضية، لا تحتمل اليوم جولة جديدة من العنف الأهلي.
أسئلة شائعة حول جريمة زيدل
ما هو سبب حظر التجوال في حمص اليوم؟
فرضت السلطات حظر التجوال ومددته في بعض الأحياء كإجراء أمني لاحتواء أعمال الشغب والعنف التي اندلعت عقب جريمة زيدل، وحفاظاً على الممتلكات العامة والخاصة.
كم عدد الضحايا والخسائر في أحداث حمص الأخيرة؟
بحسب محافظة حمص، تضرر 40 منزلاً ومحلاً تجارياً و29 سيارة. أما الجريمة الأساسية في زيدل فقد أسفرت عن مقتل زوجين، وهناك أنباء عن جرحى جراء الاشتباكات اللاحقة.
أين وقعت التوترات الأمنية بالتحديد؟
تركزت التوترات في بلدة زيدل (مكان الجريمة)، وامتدت ردود الفعل لتشمل حيي ضاحية الباسل والمهاجرين وعدداً من الأحياء المجاورة ذات التنوع الطائفي.
