في تطور صادم داخل ملف الحرب الأهلية السورية، كشفت تقارير موثوقة عن مقبرة جماعية في صحراء الضمير شمال شرق دمشق.
فقد نفّذت حكومة النظام السوري السابق عملية سرية امتدت لعامين، نقلت خلالها آلاف الجثث من مقبرة القطيفة إلى موقع صحراوي معزول.
العملية، التي بدأت في عام 2019 تحت اسم “نقل الأتربة”، جرت بسرية تامة وبمشاركة وحدات عسكرية، في محاولة واضحة لطمس الأدلة على الجرائم المرتكبة خلال الصراع.
تفاصيل “عملية نقل الأتربة”
أكد 13 مسؤولًا وشاهدًا سوريًا لوكالة رويترز أن العملية استمرت حتى عام 2021.
نُقلت خلالها رفات آلاف السجناء والضحايا من القطيفة إلى صحراء الضمير، على بعد أكثر من ساعة من العاصمة.
وأشار المشاركون إلى أن السلطات استخدمت الشاحنات ليلاً، محمّلة بالتراب والرفات البشري، لتبدو وكأنها أعمال صيانة أو نقل روتيني، في الموقع الذي أصبح معروفًا بمقبرة جماعية في صحراء الضمير.
أحد السائقين قال: “لم نكن نجرؤ على السؤال. أي مخالفة للأوامر كانت تعني الموت”.
المقبرة الجماعية في صحراء الضمير
أظهرت صور الأقمار الصناعية تغيرات كبيرة في التضاريس بين عامي 2019 و2025.
تشير الصور إلى وجود 34 خندق دفن بطول كيلومترين تقريباً، مما يجعلها واحدة من أكبر المقابر الجماعية في سوريا منذ اندلاع الحرب عام 2011.
علاوة على ذلك، قدّر محللون أن الموقع يحتوي على عشرات الآلاف من الجثث، بعضها لجنود، والبعض الآخر لسجناء سياسيين.
شهادات من داخل العملية
روى خمسة أشخاص — من بينهم سائقان وضابط سابق — تفاصيل مروعة.
قالوا إنهم ما زالوا يتذكرون الرائحة الكريهة التي كانت تنبعث من الشاحنات رغم تغطية الرفات، مؤكدين أن هذه المقبرة الجماعية في ذلك الموقع الصحراوي لم تكن متوقعة.
“الفكرة جاءت في أواخر 2018، عندما شعر الأسد بالنصر في الحرب. كان يريد إزالة الأدلة قبل أي مراقبة دولية”.
في المقابل، أكد فني سيارات شارك في العملية أن أي مناقشة حول ما يجري كانت تعني نهاية مؤكدة لصاحبها.

طائرة بدون طيار صورت آثار جرافة على التربة التي تغطي خندق دفن في مقبرة جماعية في البادية السورية الشرقية(أرشيفية- رويترز)
الهدف من نقل الجثث
بحسب الشهود، كان الغرض من نقل الجثث طمس آثار المقابر الأصلية وتحسين صورة النظام أمام المجتمع الدولي.
فقد كانت مقبرة القطيفة معروفة منذ عام 2014 بعد نشر ناشطين حقوقيين صوراً لموقعها القريب من دمشق.
ومنذ ذلك الوقت، حاولت الحكومة الحد من تسرب المعلومات وتغيير مواقع الدفن لجعل المقبرة في صحراء الضمير أقل وضوحاً.
تصريحات رسمية حول المقبرة الجماعية
أوضح محمد رضا جلخي، رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين، أن تحديد هوية الضحايا يمثل تحديًا كبيرًا:
“عدد المفقودين قد يتجاوز عشرات الآلاف، ونحن بحاجة إلى كوادر مختصة في الطب الشرعي وتحليل الحمض النووي.”
في الوقت نفسه، شدد رائد الصالح، وزير الطوارئ وإدارة الكوارث، على أن الجرح الإنساني ما زال مفتوحًا في ضوء الاكتشافات المستمرة في صحراء الضمير.
“لن يلتئم هذا الجرح ما دامت هناك أمهات ينتظرن قبور أبنائهن.”
الأثر الإنساني المستمر
أكد محمد العبد الله، المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، أن نقل الجثث بهذه الطريقة جعل تحديد الهويات أكثر صعوبة.
ومع ذلك، رحّب بإنشاء لجنة المفقودين، معتبرًا إياها خطوة أولى نحو العدالة، بشرط أن تحظى بالدعم الفني والمالي الكافي.
من جهة أخرى، تشير منظمات حقوقية إلى وجود أكثر من 160 ألف شخص مختفٍ قسرياً في سوريا منذ 2011، يُعتقد أن غالبيتهم مدفونون في مقابر جماعية مماثلة.
المقبرة الجماعية والعدالة المؤجلة
يرى محللون أن الكشف عن مقبرة جماعية في صحراء الضمير قد يعيد فتح ملفات المحاسبة الدولية، خصوصًا بعد توثيق الأدلة عبر صور الأقمار الصناعية وشهادات الشهود.
في المقابل، تحاول الحكومة السورية الحالية إظهار تعاون نسبي مع الهيئات الحقوقية، لكن التقدم ما زال بطيئًا.
الجدول الزمني للأحداث
التاريخ | الحدث | المصدر |
---|---|---|
2014 | ظهور أول صور لمقبرة القطيفة | ناشطون محليون |
أواخر 2018 | بدء التخطيط لعملية النقل | شهود وضباط |
2019 – 2021 | تنفيذ عملية “نقل الأتربة” | رويترز |
أكتوبر 2025 | انكشاف تفاصيل المقبرة الجديدة | العربية |
تحليل وخاتمة
قصة مقبرة جماعية في صحراء الضمير ليست مجرد واقعة إنسانية؛ إنها مرآة للحرب السورية بكل مآسيها.
ورغم مرور أكثر من عقد على النزاع، ما زالت أسر الضحايا تبحث عن الحقيقة، وما زال ملف العدالة الانتقالية مفتوحًا.
في الواقع، يطالب الحقوقيون بفتح المواقع المغلقة رسميًا للسماح بإجراء تحقيقات علمية تعيد الأسماء إلى الرفات المجهولة.
📌 السؤال الآن:
هل سيأتي اليوم الذي تُفتح فيه المقابر الجماعية السورية أمام العدالة الدولية؟