في خطوة تعكس عودة الحياة إلى القطاع الصناعي السوري، استأنف معمل خميرة حمص التابع لشركة سكر حمص عمله رسمياً اليوم بطاقة إنتاجية تبلغ 24 طناً يومياً من الخميرة الطرية، بعد تنفيذ برنامج تأهيل شامل شمل جميع خطوط الإنتاج والمرافق المساندة.
هذا التطور يمثل إنجازاً مهماً لقطاع الصناعات الغذائية في سوريا، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد. فالمعمل الذي توقف سابقاً بسبب الحاجة إلى التحديث التقني، عاد الآن ليكون ركيزة أساسية في تأمين مادة الخميرة للسوق المحلية وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
خطة التأهيل: تطوير الجودة وتقليل التكاليف
بحسب تصريح نائب وزير الاقتصاد والصناعة، باسل عبد الحنان، فإن كوادر شركة سكر حمص من مهندسين وفنيين وعمال استطاعوا بجهودهم الذاتية إعادة تشغيل المعمل، ما ساهم في تحقيق جدوى اقتصادية حقيقية من المشروع.

وأوضح أن برنامج التأهيل ركز على تحسين جودة المنتج النهائي وخفض تكاليف التشغيل من خلال تحديث أنظمة الطاقة والمياه وتطبيق معايير الكفاءة الصناعية الحديثة. وأضاف قائلاً:
“المعمل اليوم لا يكتفي بالإنتاج فقط، بل يسعى إلى تقديم منتج وطني بمواصفات تضاهي المستورد، وبسعر منافس يدعم الاقتصاد المحلي.”
إنتاج يغطي 30% من حاجة السوق المحلية
يعد معمل خميرة حمص من المنشآت الحيوية في قطاع الصناعات الغذائية، إذ يغطي نحو 30% من احتياجات السوق المحلية من الخميرة الطرية. هذا ما أكده عبد الحنان، مشيراً إلى أن الوزارة وضعت خطة شاملة لتقييم المنشآت الصناعية المتوقفة، ودراسة جدوى إعادة تشغيلها ضمن شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا التوجه إلى رفع معدلات الإنتاج الوطني وتوفير فرص عمل جديدة، إضافة إلى تعزيز الأمن الغذائي الصناعي عبر الاعتماد على المواد المحلية في التصنيع.
تطوير شامل في شركة سكر حمص
من جانبه، أوضح مدير شركة سكر حمص، فيصل الفرج، أن الشركة تعمل على تنفيذ برنامج متكامل لإعادة تشغيل وتطوير معملي الخميرة والكحول، بما ينسجم مع خطط وزارة الصناعة لتحديث الصناعات الغذائية والكيميائية الاستراتيجية.
وأشار إلى أن الخميرة المنتجة حالياً مطابقة للمواصفات القياسية السورية، وأنها تغطي جزءاً مهماً من الطلب المحلي. وأضاف:
“هدفنا ليس فقط العودة إلى الإنتاج، بل تحقيق استدامة تشغيلية طويلة الأمد تضمن جودة المنتج وثقة المستهلك.”
تشغيل معمل الكحول قريباً بطاقة 11 طناً يومياً
وفي سياق متصل، كشف الفرج عن قرب تشغيل معمل الكحول في حمص بطاقة إنتاجية تبلغ 11 طناً يومياً. وأوضح أن خطة التطوير الجديدة تهدف إلى رفع كفاءة خطوط الإنتاج وتحسين الجدوى الاقتصادية من خلال تعزيز معايير الجودة وضمان استمرارية التشغيل دون توقف.
هذه الخطوة تأتي في إطار تنشيط الصناعات الكيميائية المرتبطة بالإنتاج الغذائي والدوائي، ما يسهم في تأمين احتياجات السوق المحلية من المواد الأساسية ويعزز فرص التصدير مستقبلاً.
إعادة التشغيل بجهود محلية خالصة
وفي تصريح خاص، أكد مدير معمل الخميرة، هداني محمود الهداني، أن عملية إعادة التأهيل تمت بأيدٍ وطنية بالكامل، شملت صيانة المعدات وتحديث الأنظمة التقنية دون الحاجة لاستيراد مكونات خارجية.
وأضاف الهداني أن الخميرة المنتجة حالياً تتميز بجودة وفعالية عالية تضاهي المنتجات المستوردة، بفضل السلالات النقية المستخدمة والتي تُعد من بين الأفضل عالمياً في هذا المجال.
“ما يميزنا هو الاعتماد على خبرات محلية اكتسبت خبرة طويلة في إنتاج الخميرة، مع التركيز على الابتكار وتحسين الأداء الإنتاجي بشكل مستمر”، قال الهداني.
دعم الزراعة والصناعات الغذائية الوطنية
يمثل تشغيل معمل خميرة حمص ركيزة دعم مهمة للقطاع الزراعي والغذائي السوري. فالخميرة عنصر أساسي في صناعة الخبز والمنتجات الغذائية، وإعادة إنتاجها محلياً تسهم في تخفيض كلفة الإنتاج في الأفران والمعامل الغذائية.
كما أن المشروع يندرج ضمن رؤية الحكومة السورية لإحياء الصناعات الوطنية، وتشجيع الاعتماد على الموارد المحلية، ما يعزز الاستقلال الاقتصادي ويخلق فرص عمل إضافية في المحافظات الصناعية.
أهمية المشروع في التنمية الاقتصادية
تُعدّ إعادة تشغيل معمل خميرة حمص خطوة نوعية ضمن جهود وزارة الصناعة الرامية إلى إعادة تأهيل المنشآت المتوقفة واستثمار الإمكانيات الوطنية المتاحة.
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه الخطوة ستؤدي إلى:
- تخفيض تكاليف الاستيراد.
- دعم الليرة السورية عبر زيادة الإنتاج المحلي.
- تعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي.
- توفير فرص عمل جديدة في محافظة حمص.
ومن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تحسناً في جودة المنتجات المحلية بفضل التحديث المستمر لخطوط الإنتاج واعتماد معايير الجودة العالمية.
مستقبل الصناعة الوطنية في سوريا
مع استئناف عمل معمل خميرة حمص، يبدو أن قطاع الصناعة السوري يسير بخطوات ثابتة نحو التعافي. فالمعامل التي كانت متوقفة تعود تدريجياً إلى العمل، مدفوعةً بإرادة وطنية وإصرار على إعادة بناء الاقتصاد من الداخل.
ويؤكد الخبراء أن مثل هذه المبادرات تمهد الطريق أمام نهضة صناعية جديدة تعتمد على التكامل بين القطاعين العام والخاص، وتستفيد من الخبرات المحلية في تطوير التكنولوجيا الصناعية.
الخاتمة: صناعة تنهض من جديد
استئناف معمل خميرة حمص العمل بعد إعادة التأهيل الشامل ليس مجرد عودة إلى الإنتاج، بل رمز لقدرة الصناعة السورية على النهوض من جديد. فبينما تتجه الأنظار نحو المشاريع المستقبلية، يبرهن هذا الإنجاز أن الإصرار والكفاءة الوطنية قادران على إحياء عجلة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
معمل خميرة حمص اليوم لا يصنع الخميرة فقط، بل يصنع الأمل في مستقبل صناعي أكثر استقراراً ونمواً.