شهد ريف القنيطرة تصعيداً ميدانياً خطيراً في 10 تشرين الثاني 2025، عندما أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي قذيفة صاروخية مباشرة على محيط تل الأحمر الشرقي. يمثل هذا القصف الأخير، الذي تزامن مع منع المدنيين من الاقتراب وتنفيذ دوريات، انتهاكاً سافراً لاتفاقية فصل القوات لعام 1974 وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.
لقد تجاوزت هذه الخطوة كونها مجرد حادث عابر؛ إنها جزء من نمط ممنهج من سبعة انتهاكات متكررة تُقوّض الوضع القائم في المنطقة الجنوبية لسوريا. يستعرض هذا التحليل المتعمق التداعيات الكاملة للحادث، ويكشف عن الأهمية الاستراتيجية لتل الأحمر، ويُوضح الإطار القانوني الذي يتم خرقه بشكل متواصل. يعتمد هذا التوسع في التغطية على توثيق دقيق للأحداث الأخيرة لتعزيز فهمنا للتحولات الجارية.
لماذا يُعد تل الأحمر الشرقي نقطة حاسمة في معادلة القنيطرة؟
أهمية تل الأحمر الشرقي الاستراتيجية في معادلة القنيطرة تُعزى إلى موقعه الجغرافي المرتفع، الذي يمنح من يسيطر عليه نارياً تفوقاً كبيراً في المراقبة والتحكم بالعمق. على الرغم من أن التل يقع ضمن المنطقة التي تخضع لمراقبة قوات الأمم المتحدة، فإن السيطرة النارية الإسرائيلية عليه تمثل ضغطاً مستمراً على الترتيبات الأمنية.
يشكل منع قوات الاحتلال المدنيين من الاقتراب من التل، عقب إطلاق القذيفة، مؤشراً واضحاً على إصرارها على تثبيت معادلات القوة الجديدة. هذه الإجراءات الميدانية لا تستهدف التل فحسب، بل تهدف إلى خلق منطقة عازلة غير مصرح بها، مما يقلص من حرية حركة السكان المحليين ويفرض قيوداً أمنية غير شرعية.
كيفية تفسير الانتهاكات الإسرائيلية لاتفاقية فض الاشتباك 1974 تتطلب فهماً لبنود الاتفاقية التي تحدد مناطق محددة لتواجد القوات السورية والإسرائيلية، وتفرض قيوداً على تسليح وعدد القوات في كل منطقة. أي توغل أو إطلاق نار خارج نطاق الترتيبات المتفق عليها يُعد خرقاً مباشراً لهذه البنود، خاصة في المنطقة الفاصلة التي تشرف عليها الأمم المتحدة.

توثيق الانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة في ريف القنيطرة
لم يكن قصف تل الأحمر الشرقي حدثاً معزولاً، بل جاء تتويجاً لسلسلة من الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة والموثقة في المنطقة الجنوبية. وتُظهر هذه التوغلات والعمليات نمطاً واضحاً لفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض، وهو ما يتطلب توثيق التوغل الإسرائيلي في جباتا الخشب وقرية رويحينة بالتفصيل.
التوغل في قرية رويحينة الجنوبية (5 تشرين الثاني)
بعد أيام قليلة من حادثة تل الأحمر، وقع توغل لقوات إسرائيلية في قرية رويحينة، الواقعة في الريف الجنوبي للقنيطرة. إن عمليات التوغل البري هذه تتناقض جوهرياً مع مبدأ فصل القوات، الذي يقتضي احترام الحدود المنصوص عليها.
- الهدف المعلن: غالباً ما تُبرر هذه العمليات بأنها عمليات “تفتيش ومداهمات” أو “اعتقالات” مزعومة.
- الأثر الفعلي: يكمن التأثير في ترويع المدنيين، وتعطيل حياتهم اليومية، وتأكيد القدرة على خرق الخطوط المتفق عليها دون رادع.
قطع الطرق والتوغل بالآليات المدرعة في جباتا الخشب
كما شهد يوم 5 تشرين الثاني توغلاً واسع النطاق لقوات الاحتلال مؤلفة من دبابات وعربات مدرعة في بلدة جباتا الخشب، الواقعة في الريف الشمالي للقنيطرة. وقد تم توثيق عملية قطع الطريق في البلدة ومنع مرور المدنيين، مما يشل الحركة الاقتصادية والاجتماعية.
يُظهر استخدام الدبابات والآليات الثقيلة في هذه التوغلات أن الأهداف تتجاوز مجرد “العمليات الأمنية” البسيطة. بل هي عروض قوة تهدف إلى إيصال رسالة واضحة حول مدى السيطرة الميدانية التي تسعى إليها قوات الاحتلال.
التاريخ الأمني: سياق الانتهاكات المتكررة لاتفاقية 1974
لفهم عمق الأزمة، يجب مراجعة تاريخ الانتهاكات المتكررة لاتفاقية 1974 في جنوب سوريا. تم توقيع اتفاقية فصل القوات بين سوريا وإسرائيل عام 1974 في أعقاب حرب أكتوبر 1973، برعاية الأمم المتحدة. وتهدف الاتفاقية إلى إقامة منطقة فاصلة خالية من الوجود العسكري النظامي الثقيل على جانبي الحدود.
تُحدد الاتفاقية أربع مناطق رئيسية (A, B, C, D) بقيود مختلفة على القوات والأسلحة. ووفقاً للتحليل، فإن التوغلات البرية في رويحينة وجباتا الخشب، وقصف تل الأحمر، تُعتبر خرقاً للمنطقة العازلة (Zone A/B)، مما يشكل خطراً مباشراً على الاستقرار الإقليمي.
لقد وثقت الأمم المتحدة مراراً وتكراراً خروقات للاتفاقية على مر السنين، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى تصعيد نوعي في وتيرة وشدة هذه الانتهاكات. هذا التصعيد يهدد بتحويل الاتفاقية إلى مجرد حبر على ورق، مما يفتح الباب أمام مزيد من التدهور الأمني.
الإطار القانوني الدولي لانتهاكات اتفاقية فض الاشتباك
في سياق القانون الدولي، تُعتبر اتفاقية فصل القوات وثيقة ملزمة للطرفين، وقد تم تأكيدها بقرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي. إن الخروقات المتكررة للاتفاقية تشكل تحدياً مباشراً لسلطة الأمم المتحدة ودورها في حفظ السلام.
- انتهاك القرار 338 و 350: تندرج هذه الانتهاكات تحت مخالفة قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى تطبيق صارم للاتفاقية واحترام سيادة الدول.
- حماية المدنيين: يشكل منع المدنيين من المرور في جباتا الخشب واستهداف محيط تل الأحمر تهديداً مباشراً لحقهم في الأمان والتحرك، وهو ما يخالف القانون الإنساني الدولي.
إن المجتمع الدولي، ممثلاً بهيئاته الرسمية، مطالب بالتحرك الفوري لوقف هذا التصعيد. يجب أن يكون هناك رصد دائم وتوثيق شامل لهذه الخروقات لضمان مساءلة الجهة المنفذة.
ردود الفعل الرسمية والدولية المتوقعة
في أعقاب هذه الأحداث، من المتوقع أن تكون ردود الفعل الرسمية على قصف تل الأحمر في نوفمبر 2025 قوية ومنددة. عادةً ما تتقدم الحكومة السورية بشكاوى رسمية إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة لتوثيق هذه الانتهاكات وتذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته.
في المقابل، غالباً ما تعتمد القوات الدولية (مثل قوات الأندوف – UNDOF) على إصدار تقارير فنية محايدة توثق الخروقات دون تسمية صريحة للمسؤول عنها، وهو ما يُضعف من إمكانية الردع الفعال. إن غياب إدانة دولية واضحة وموحدة يشجع على استمرار سياسة التوغل والانتهاك.
خلاصة التحليل: مستقبل المنطقة الفاصلة
إن حادثة قصف تل الأحمر الشرقي والتوغلات التي تبعتها في جباتا الخشب ورويحينة تؤكد استمرار وانتهاج سياسة خرق الاتفاقيات الدولية. هذه الأعمال لا تخدم الاستقرار، بل تزيد من احتمالات التصعيد في منطقة حساسة تعتبر شرياناً حيوياً للأمن الإقليمي. من الضروري أن يتم التعامل مع هذه الانتهاكات ليس كأخبار عاجلة عابرة، بل كأدلة تراكمية على نمط من الخروقات يستهدف نزع الشرعية عن الترتيبات الأمنية القائمة.
الأسئلة الشائعة حول اتفاقية فصل القوات
س: ماذا يعني بالضبط تل الأحمر الاستراتيجي ولماذا يُركز عليه الاحتلال؟
ج: تل الأحمر الشرقي هو موقع جغرافي مرتفع يوفر ميزة تكتيكية لقوات المراقبة. تركيز الاحتلال عليه يعكس سعيه للحفاظ على سيطرة نارية كاملة على المناطق المحيطة، وهو ما يعتبر انتهاكاً لروح الاتفاقية التي تهدف إلى فصل القوات وتخفيف حدة التماس العسكري.
س: كيف تؤثر التوغلات مثل تلك التي وقعت في جباتا الخشب على المدنيين؟
ج: تؤدي هذه التوغلات إلى ترويع السكان، وتقييد حركتهم، وإعاقة وصولهم إلى مزارعهم ومصادر رزقهم. كما تخلق بيئة من انعدام الأمن المستمر، مما يدفع إلى الهجرة الداخلية ويهدد النسيج الاجتماعي للمنطقة.
س: ما هي أهمية قرارات مجلس الأمن في سياق انتهاكات اتفاقية فض الاشتباك؟
ج: تُضفي قرارات مجلس الأمن شرعية دولية على الاتفاقية وتجعلها ملزمة. أي انتهاك لهذه الاتفاقية هو انتهاك لقرار دولي، مما يخول الدول الأعضاء النظر في تدابير دبلوماسية أو عقابية لفرض الامتثال لها.
