في وقت كانت فيه عيون السوريين تراقب البحر وتنتظر الفرج، رست ناقلة النفط العملاقة “RELIABLE WARRIOR” اليوم الإثنين في ميناء بانياس. الناقلة لم تكن تحمل مجرد شحنة تجارية عادية، بل حملت معها الدفعة الثانية والأخيرة من المنحة السعودية لسوريا، والمقدرة بنحو مليون برميل من النفط الخام. هذا الحدث لا يعني فقط وصول الوقود، بل يفتح باباً للأمل بتحسن ساعات وصل الكهرباء التي أرهقت كاهل المواطن والصناعي على حد سواء، ويطرح تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين دمشق والرياض.
بانياس تستقبل “شريان حياة” جديد
تحت شمس تشرين الثاني الخريفية، رصد مراسلنا حركة غير اعتيادية في المصب النفطي بمدينة بانياس. العمال يتحركون بسرعة، والأنابيب تُجهز لتفريغ الحمولة الضخمة.
يأتي وصول هذه الناقلة استكمالاً لمسار بدأ منتصف هذا الشهر، ليعلن اكتمال وصول المنحة السعودية لسوريا البالغة إجمالاً مليوناً و650 ألف برميل.
وفي حديث خاص للصحفيين المتواجدين في الميناء، قال أحمد قبه جي، نائب الرئيس التنفيذي للشركة السورية للنفط: “استقبل ميناء بانياس اليوم الشحنة الثانية والأخيرة من المنحة بكمية مليون برميل، وهذا يأتي بعد وصول الشحنة الأولى قبل أسبوع تقريباً”.
وأضاف قبه جي بصوت يملؤه التفاؤل: “هذه الكميات ستدخل فوراً في عمليات التكرير، والهدف الأول هو دعم محطات التوليد وتأمين المحروقات للناس”.

الشارع السوري: “بدنا كهربا وبس”
بعيداً عن التصريحات الرسمية، كيف يقرأ الناس هذا الخبر؟
في سوق الهال بدمشق، التقينا أبو سامر الميداني (55 عاماً)، وهو تاجر خضار، سألناه عن رأيه، فتنهد وقال بلهجة عفوية: “يا ابني سمعنا عن هالمليون برميل، الله يكتر الخير. بس نحنا ما بدنا نسمع أرقام، بدنا نشوف النتيجة بالبيت وبالمحل. البرادات عم توقف والرزق عم ينتزع، إذا هالنفط رح يشغل الكهربا ساعتين زيادة، فنحنا بألف خير”.
هذا الكلام يعكس حال ملايين السوريين الذين يعولون على هذه الشحنات لإنقاذ موسم الشتاء، خصوصاً فيما يتعلق بتوفير المازوت للتدفئة والغاز المنزلي، إضافة للكهرباء.
تفاصيل المنحة وسياقها الاقتصادي
لفهم الصورة الكاملة، يجب أن نعود قليلاً للوراء. هذه الشحنة ليست يتيمة، بل هي جزء من حراك اقتصادي أوسع.
- الدفعة الأولى: وصلت يوم 17 نوفمبر عبر الناقلة “PETALIDI” بحمولة 650 ألف برميل.
- الدفعة الثانية (الحالية): وصلت اليوم 24 نوفمبر عبر “RELIABLE WARRIOR” بحمولة مليون برميل.
- الإجمالي: 1,650,000 برميل من الخام.
وبحسب خبير اقتصادي مقرب من دوائر صنع القرار في دمشق (فضل عدم ذكر اسمه)، فإن “توقيت هذه المنحة حيوي جداً. المصافي كانت تعمل بطاقة دُنيا، ووصول هذه الكميات سيعطي دفعة قوية لإنتاج المشتقات النفطية والفيول اللازم للعنقات الغازية”.
ويشير المصدر إلى أن الحكومة تعول على هذا النفط لتحريك عجلة الإنتاج الصناعي التي تعثرت كثيراً بسبب نقص الطاقة.
ما بعد الوصول.. انعكاسات وتوقعات
وصول المنحة السعودية لسوريا يطوي صفحة الانتظار ويفتح صفحة العمليات الفنية. من المتوقع أن تبدأ مصفاة بانياس عمليات التكرير فوراً.
المراقبون للشأن السوري يرون في هذه الخطوة دلالة سياسية واقتصادية تتجاوز مجرد “براميل نفط”. إنها إشارة لعودة التعاون التنموي، وربما تكون مقدمة لاستثمارات أكبر في قطاع الطاقة المتهالك.
لكن يبقى السؤال الأهم بالنسبة للمواطن: متى سنلمس الفرق؟ الجواب مرهون بسرعة التكرير والتوزيع، وعدالة التقنين في الأيام القادمة. الأيام القليلة المقبلة ستكون كفيلة بكشف ما إذا كانت هذه “الإبرة النفطية” ستنعش الشبكة الكهربائية أم أنها ستكون مجرد مسكن مؤقت.
أسئلة شائعة حول المنحة السعودية لسوريا
كم تبلغ كمية النفط السعودي التي وصلت إلى سوريا؟
إجمالي المنحة السعودية بلغ مليوناً و650 ألف برميل، وصلت على دفعتين؛ الأولى 650 ألف برميل، والثانية مليون برميل وصلت اليوم.
كيف سيستفيد المواطن السوري من هذه المنحة؟
سيتم تكرير النفط الخام في مصفاة بانياس لاستخراج الفيول لمحطات الكهرباء، والمازوت والبنزين للنقل والتدفئة، مما يُتوقع أن يحسن ساعات التغذية الكهربائية.
هل هذه هي المرة الأولى التي ترسل فيها السعودية نفطاً لسوريا؟
تعتبر هذه الشحنة جزءاً من حراك جديد لتعزيز التعاون الاقتصادي، وتأتي كمنحة مباشرة لدعم قطاع الطاقة المتعثر، وهي خطوة لافتة في مسار العلاقات الحديثة بين البلدين.
