بعد سنوات طويلة من الدمار الذي حوّل مدينتي داريا ودوما في ريف دمشق إلى رمز للمعاناة، أُطلق اليوم الثلاثاء (26/11/2025) مشروع ضخم يهدف إلى طي صفحة الأنقاض. المشروع، الذي يمثل خطوة حقيقية على طريق التعافي، بدأ بتمويل سخي من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وبالتعاون مع منظمة الدفاع المدني السوري. هذا العمل الإنساني يهدف في جوهره إلى المساهمة في إعادة تأهيل الأحياء السكنية وفتح الطريق أمام عودة مئات العائلات المهجرة إلى مناطقها، ليصبح إزالة أنقاض داريا ودوما أملاً ملموساً في الشارع السوري.
حي الجمعيات بداريا.. من ركام إلى أمل
شهد حي الجمعيات في داريا، الذي كان مسرحاً لفعالية إطلاق المشروع، حركة آليات ثقيلة غير مسبوقة منذ سنوات. تم ذلك بحضور رسمي، شمل محافظ ريف دمشق عامر الشيخ، وممثلين عن السفارة السعودية، في إشارة واضحة إلى عمق الشراكة الإنسانية لدعم جهود التعافي.
هذا التطور يأتي بعد توقف طويل لعمليات إزالة الأنقاض الممولة خارجياً، وهو ما يعلق عليه منير مصطفى، مدير منظمة الدفاع المدني السوري. مصطفى أكد لـ”سوريانت” أن إطلاق مشروع إعادة تدوير وتأهيل إزالة أنقاض داريا ودوما بتمويل كريم من مركز الملك سلمان، “يشكل خطوة نوعية في مسار إعادة الحياة إلى المناطق المتضررة، ويعكس عمق الشراكة الإنسانية بين الشعبين السوري والسعودي”.
وأشار مصطفى إلى أن الأرقام المستهدفة في المشروع كبيرة:
“حجم الأنقاض المستهدف في المدينتين يصل إلى نحو خمسة وسبعين ألف متر مكعب من الركام. والأهم أن المشروع لا يقتصر على الترحيل العادي، بل يتعدى ذلك إلى إعادة تدوير ما يقارب الـ 30 ألف متر مكعب منها بطريقة آمنة وصديقة للبيئة، وهذا سيسهم في إعادة بناء البنية التحتية”.
كما أوضح مدير الدفاع المدني السوري أن المعدات التي تم شراؤها خصيصاً لهذا الغرض، ستُستخدم في مشاريع مستقبلية لتدوير أنقاض إضافية في ريف دمشق ومناطق أخرى على امتداد الأراضي السورية، مما يجعل المشروع منطلقاً لـ”نهضة عمرانية وإنسانية جديدة”.
الركام وحاجز العودة النفسي
بالنسبة لسكان داريا ودوما، فإن وجود الركام لا يشكل فقط حاجزاً مادياً أمام عودتهم، بل هو أيضاً حاجز نفسي يذكّر بمرارة السنوات الماضية.
في حديث مع سالم العبد الله، وهو مهندس معماري من أبناء دوما ويعمل في منظمة محلية، قال لـ”سوريانت”:
“القصة مو سهلة أبداً. الأنقاض مو بس حجار، هي شاهد على الدمار. عندما ترى الآليات تتحرك وتزيل هذه الكتل الإسمنتية الضخمة من حي الجمعيات، تشعر أن البلد بدها تعمر من جديد وأن هناك إرادة دولية لمساعدتنا”.
هذا الشعور بالتفاؤل بدأ يتسرب إلى عائلات المهجرين. لاحظ مراسلنا في ريف دمشق أن العديد من العائلات بدأت تستفسر عن توقيت بدء العمل في أحيائها بالضبط، تمهيداً لاتخاذ قرار العودة.
وبحسب وثيقة حصلت عليها “سوريانت” من أحد الشركاء المنفذين، فإن عمليات الإزالة والتسوية ستتركز في البداية على المحاور والطرق الرئيسية التي تربط الأحياء ببعضها، لضمان سهولة وصول الخدمات، ثم الانتقال إلى الشوارع الفرعية.
تداعيات إقليمية وأمل بعودة اللاجئين

إن تمويل مشروع إزالة أنقاض داريا ودوما من قبل مركز الملك سلمان للإغاثة يعطي بعداً إقليمياً لجهود التعافي. هذا الدعم يأتي بعد سنوات من القطيعة السياسية، ليؤكد أن الشراكة الإنسانية يمكن أن تسبق أي تطبيع سياسي كامل.
كما أن إشارة مدير الدفاع المدني إلى أن المركز كان شريكاً أساسياً منذ سنوات في مجالات الإغاثة والصحة، يضع هذا المشروع في سياق التعاون المستمر وليس مجرد مبادرة عابرة.
إن الهدف المعلن للمشروع هو تهيئة الظروف لعودة اللاجئين، وهذا هو الاختبار الحقيقي لنجاحه. فبمجرد إزالة الركام، تبدأ المرحلة الأصعب المتعلقة بإعادة بناء المنازل والبنية التحتية المدمرة بالكامل، مثل شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء.
ببساطة، إزالة الركام هي الخطوة الأولى والضرورية، لكنها ليست الأخيرة. نجاح إزالة أنقاض داريا ودوما في تحفيز عودة أعداد كبيرة من الأهالي، سيجعل هذا المشروع نموذجاً يحتذى به في مناطق سورية أخرى بحاجة ماسة لمثل هذا التدخل النوعي. الأيام القادمة ستكشف عن مدى السرعة التي ستتحول بها أحلام العودة إلى واقع ملموس تحت حركة الآليات السعودية.
أسئلة شائعة حول مشروع إزالة أنقاض داريا ودوما
ما هي المدن التي يشملها مشروع إزالة الأنقاض؟
يشمل المشروع مدينتي داريا ودوما الواقعتين في ريف دمشق، وهما من أكثر المناطق تضرراً وتراكماً للأنقاض بعد سنوات النزاع.
ما هي كمية الأنقاض المستهدفة للتدوير؟
الكمية الإجمالية المستهدفة للإزالة تبلغ حوالي 75 ألف متر مكعب، منها 30 ألف متر مكعب سيتم إعادة تدويرها للاستفادة منها في مشاريع البنية التحتية مستقبلاً.
ما هي الجهة الممولة والجهة المنفذة للمشروع؟
الجهة الممولة هي مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية (KSRelief)، والجهة المنفذة هي منظمة الدفاع المدني السوري.
اقرأ ايضا علي سوريا نت:
